صناع الدراما يبررون احتفائهم بالشرطة في رمضان
أكثر من خمس أعمال كان من المقرر أن تعرض في المارثون الرمضاني الحالي ركزت في أحداثها على جهاز الشرطة المصرية سواء عيوبه أو مميزاته على حد سواء، أبرز ما عُرض منها مسلسلي «باب الخلق» للنجم محمود عبدالعزيز، و«الهروب» لكريم عبدالعزيز، وتم تأجيل أغلبها للموسم الرمضاني المقبل.
أصحاب هذه المسلسلات حاولوا استغلال أحداث ثورة 25 يناير في الحديث عن هذا الجهاز الذي كان لا يصعب الاقتراب منه في العصر السابق، ولكنهم في نفس الوقت حرصوا على التزام الحيادية، وذكر الجيد والردئ دون محاباة أو تصفية حسابات، ذاكرين أن رجال الشرطة هم نسيج مهم داخل المجتمع المصري، ولا يستطيع أحد إنكار تضحياتهم وأيضاً تجاوزاتهم.
من أبرز هذه المسلسلات «باب الخلق» الذي يتعرض لشخصية ضابط أمن الدولة، ويلقي الضوء على فسادها من خلال عرض سلبيات هذا الجهاز، وعنه قال المؤلف محمد سليمان: «لم استفيض في صنع هذه الشخصية التي سأم الناس من رؤيتها، ولكن اكتفيت بعرضي لها لأن الاستفاضة فيها هو نوع من المتاجرة بالثورة، وقد عرضت ثلاث نماذج مختلفة لضباط هذا الجهاز، وفى رأيي الشخصي أنه جهاز مهم، ولا يجب الاستغناء عنه، ولكن يجب تقنين دوره وتحديد صلاحياته».
أما مسلسل «الهروب» فيتناول في أحداثه جهاز أمن الدولة واضطهاده لبعض الشخصيات البسيطة، ويجسد فيه الفنان المصري عبد العزيز مخيون دور أحد المظلومين، وعن دوره قال: «أجسد دور عامل تعرض للاعتقال والتعذيب دون وجه حق ليعترف بذنب لم يرتكبه»، وأضاف :«حان الوقت لفضح الشرطة وأجهزتها الذين طالما ظلموا الشعب واعتقدوا بإلوهيته وكان ذلك هو أساس تفجير الثورة».
مسلسل «الخفافيش» الذي تم تأجيله يتناول حياة ضباط الشرطة من خلال قصص حقيقية وجرائم وقعت في العشرة سنوات الأخيرة للمؤلف والمخرج أحمد النحاس، والعمل يعتمد على عشرة قصص واقعية رصدت أهم القضايا التي شغلت الرأي العام منها قضية مذبحة بني مزار، وسرقة رأس تمثال أمون، وزهرة الخشخاش، وكذلك قصة انتحار أحد الشباب ومرجعها النفسي والشرطي.
النحاس قال عن «الخفافيش» وتناوله لجهاز الشرطة: «لم أتعمد إظهار شخصية ضابط الشرطة الجيد أو الردئ، ولكن العمل يتحدث عن أمور واقعية واعتمدت في كتابة السيناريو على محاضر الشرطة، وللأسف كانت صورة الجهاز الشرطي ضبابية، ولكنى لم اعتمد إظهارها كذلك بل إن الواقع الذي عرفه الجميع هو الحقيقة الموجودة من خلال تلك الأوراق».
وتابع: «اكتشفت من خلال كتابتي للسيناريو واطلاعي على المحاضر كمية الفساد التي كان يعج بها جهاز أمن الدولة تحديداً أو كيف كان يسهر رجاله لحراسة أمن الدولة ولكن لحراسة أمن النظام الفاسد، وهو ما عرضته في قصة على كوبري 6 أكتوبر، حيث استعرضت قصة الشاب الذي انتحر بعد أن فشل في الحصول على درجة معيد بالجامعة، ورغم تفوقه بسبب تعيين ابنه رجل مهم الأمر الذي جعله يحارب من اجل إثبات حقه وبالطبع كان رجال أمن الدولة له بالمرصاد».
مخرج ومؤلف العمل أضاف: «كما استعرضت في القصة الثانية قضية «بنى مزار» التي لعبت فيها أمن الدولة دوراً كبيراً، حيث ظهر أن من تم ذبحهم كانوا مجموعة من بلطجيتهم ممن خرجوا عن طوعهم، وحاولوا القيام بعمليات إرهابية ضد أمن الدولة، وكذلك تناولت فساد أمين الشرطة الذي طغى في كثير من الأحيان على فساد الضابط نفسه، وسطوته في قصة «شهر حبس»، حيث يتعاون الضابط وأمين الشرطة والمحامى في النصب على إحدى السيدات».
الحالة الإيجابية الوحيدة التي سيعرضها النحاس في مسلسله عن جهاز الشرطة ستأتي من خلال الضابط الذي كشف غموض سرقة رأس تمثال أمون وأعدها، وعن مدى إمكانية تسبب العمل في توسيع الفجوة بين الشرطة والشعب قال النحاس: «ترددت كثيراً في انجاز العمل بسبب كراهية الناس للشرطة، وخشيت أن يزيد مسلسلي الطينة بله، ولكن الواقع لا يخفى وطالما أنه موجود، فلماذا ندفن رؤوسنا في التراب، وربما كان العرض يخفف من الحق عليهم».
مسلسل «الضابط والجلاد» الذي تم تأجيله أيضاً فيدور حول الأيام التي سبقت الثورة فيما عدا الحلقة الأخيرة التي اندلعت فيها الثورة، والمسلسل من إخراج «هاني إسماعيل» الذي تحدث عن عمله قائلاً: «استعرضت نموذجين لضابط الشرطة، الأول هو الضابط المحترم الذي يرعى الله وضميره، ويحاول كشف الحقيقة، وغالباً ما يلاقي هذا للنموذج المتاعب من حوله لأن الشرفاء قليلين بشكل عام وخاصة في جهاز الشرطة، ويجسد هذا الدور الفنان طارق لطفي».
وأضاف: «أما النموذج الآخر وهو الفاسد العنيف الذي لا يفرق بين المجرم والشريف ويتعالى على الناس، ويقسو على الجميع من أجل مجده الشخصي والترقيات، وليس لهدف الصالح العام، وللأسف الشديد فقد اكتشفت أن نموذج الضابط الفاسد متوفر بكثرة خاصة في الرتب الصغيرة، حتى أنني كدت أربط بين الدراسة في الأكاديمية الشرطية، وبين تخرج الضابط الصغير السن في زهو وخيلاء وتعالي على الناس واستحقارهم، وكأن هذه المؤسسة العريقة التي تخدم الشعب خصصت دراستها لاحتقار الناس، وهذا النموذج يمثله الفنان الشاب محمد كريم».
إسماعيل تابع :«الفجوة بين الشعب والشرطة موجودة بالفعل، ولكن ربما حاولت من خلال عرض النموذجيين أن أقلل منها، خاصة وأنهم أبناءنا وإخواننا والكثير منهم ضحوا بحياتهم من أجل حماية أمن الوطن، وهناك نماذج مشرفة كثيرة منها اللواء البطران الذي استشهد في مقاومته للبلطجية الذين اقتحموا سجن الفيوم، وغيره الكثيرين».
الفنان طارق لطفي تحدث عن دوره في «الضابط والجلاد» قائلاً:«دوري في المسلسل هو دور الضابط الشريف، ربما كانت هذه النوعية من الأدوار غير مقبولة حالياً بعد الثورة، ولكن الحقيقة التي أعلمها جيداً أن أي مؤسسة بها الجيد والردئ، صحيح أن الردئ ربما يطغى أحياناً على الجيد، ولكن يظل الخير موجوداً إلى يوم القيامة، وقد شاركت في العمل بناءا على هذه القناعات، فأنا أعرف ضباط شرطة أصدقائي محترمون جداً بل مثاليين أحيانا، وهو ما دفعني لقبول الدور من خلال جلوس مع هؤلاء الأصدقاء، وقررت أن أظهر محاسنهم حتى لا تكون الصورة قائمة بشكل كبير وأتمنى أن أنجح في ذلك».
أما المسلسل الذي ركز على نموذج رجل الشرطة الشريف فهو مسلسل «كان ياما كان»، من إخراج خالد بهجت الذي قال عن المسلسل: «أتعرض لدور حياة مفتش المباحث النفساني، وهو يعمل في قسم موجود بالشرطة يسمى قسم مكافحة الجرائم النفسية، وأحاول من هذا الدور تقديم نموذج مشرف لرجل الشرطة الإنسان، وهذه المحاولة ليست تحيز لهم، ولكن هناك رجال شرفاء في الشرطة كثيرين ينطبق عليهم هذا الدور، ولكن للأسف فأن المسئولية الكاملة في تشويه صورة هذا الجهاز ترجع للنظام السابق الذي لم يكن باستطاعة أحد عصيان أوامره، وجهاز مكافحة الجرائم النفسية غير مفعل نظراً لفساد النظام السابق الذي لم يهتم بالأمور النفسية والإنسانية قدر اهتمامه بازدواج السلطة والمال والتوريث».
الفنانة إيناس النجار تقدم من خلال أحداث المسلسل دور ضابطة شرطة، وعنه قالت:«قبلت الدور لأنه جديد عليّ، كما أنه يعمل على نقل مثال ايجابي عن الشرطة، عسى أن تعود إليها هيبتها ضد المجرمين، وحتى تعود ثقة الشعب فيها، ربما كان تجسيد الدور بالنسبة لي صعب لكنني شاهدت كيف يعملن ضابطات الشرطة، حيث أن دورهم ليس مكملاً ومساعداً لرجل الشرطة بل أحياناً ما يكون أساسياً، وفى هذا الدور أترك الحياة الخاصة والحب والخطوبة من أجل حل مشاكل الاتجار في الأطفال والقبض على مافيات الرقيق».
الناقد الفني طارق الشناوى تحدث عن ظاهرة ربط الأعمال الفنية بجهاز الشرطة قائلاً:« ظهور الأعمال التي تتحدث عن الشرطة وتحديداً أمن الدولة أمر طبيعي لأن هذا الجهاز هو الذي لعب دوراً أساسياً في اندلاع الثورة، كما أن الدراما وجدت الفرصة سانحة لعمل ذلك خاصة بعد أن فقدت الرقابة معايرها القديمة وأصبحت المحظورة محظوظة، وكذلك أصبح الجهاز الذي راقب الجميع واضطهدهم هو من يراقب الآن ويقع موقع الشبهات».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق